نتحدث فى هذا الموضوع عن حفظ الاسرار وما يترتب عليها .....
إشتهر قديما:
كل سر جاوز الاثنين..شاع..
ومن اللطائف أن أحدهم سئل:من الاثنين؟فأشار إلى شفتيه..وقال:هذان!!
خلال سنين من عمرى مضت ..لا أذكر أنى همست فى أذن أحد من الناس بسر..إلا أقسم أيماناً مغلظة أن سرى فى بئر ليس له قاع!!
ولا أذكر أن أحداً منهم صار صريحاً وقال بعد ما سمع سرى: يا فلان ..اسمح لى لا أستطيع أن اكتمه..
بل كل شخص تحدثه بسرك يضرب بيده صدره..ويقول:والله لو وضعوا الشمس فى يمينى..والقمر فى شمالى..أو السيف على رقبتى..على أن اخبر بسرك ما أخبرت!!
ثم إذا اطماننت ووثقت..وكشفت له أسرارك..تصبر شهرين أو ثلاثة..ثم حدث به..فلا زال سرك يتناقل حتى يصلك..وانت المخطئ ابتداءً..سرك لا ينبغى أن يجاوز شفتيك..
لا تكلف الناس ما لا يطيقون..
اذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذى يستودع السر أضيق
جربت كثيراً من الناس..فوجدتهم كذلك..والمشكلة أنك تأتيهم على سبيل الاستشارة..فيشيرون عليك ثم يفضحون سرك..فيشقطون من عينك..ويصبحون من أبغض الناس إليك..
ومن أعجب ما فى التاريخ:
أنه قبل معركة بدر..لما سمع النبى صل الله عليه وسلم ..بقافلة قريش مقبلة من الشام وأراد قتالها..
خرص صل الله عليه وسلم إليها مع اصحابه..فلما شعر بهم أبو سفيان قائد القافلة..استأجر رجلا اسمه ضمضم بن عمرو الغفارى..وقال اذهب وأخبر قريشاً بالخبر..فانطلق ضمضم مسرعاً إلى مكه..كان وصوله مكة يحتاج أن يسير أياما..وأهل مكة لا يدرون عن شى من ذلك..
وفى ليلة من الليالى..رأت عاتكة بنت عبد المطلب فى منامها..رؤيا افزعتها..فلما أصبحت بعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب..فقالت له:يا أخى..والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتنى..وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة..فاكتم على ما أحدثك..ولا تحدث به أحداً..
قال لها:نعم..وما رأيت؟
قالت:رأيت راكباً أقبل على بعير..حتى وقف بوادى(الأبطح)..ثم صرخ بأعلى صوته:ألا انفروا يا آل غدر إلى مصارعكم فى ثلاث..!(أى:اذهبوا أيها الغادرون إلى مواضع موتكم خلال ثلاثة أيام!)..
قالت:فأرى الناس قد اجتمعوا إليه..ثم مضى فدخل المسجد والناس يتبعونه..فبينما هم حوله..إذ صعد به بعيره فوق الكعبة..ثم صرخ بمثلها:انفروا يا آل غدر على مصارعكم فى ثلاث..
ثم أخذ صخرة فقذفها من أعلى الجبل.. فأقبلت تهوى من فوق الجبل..حتى إذا كانت بأسفل الجبل تكسرت وتقسمت إلى حصى صغار..فما بقى بيت من بيوت مكة إلا دخلته كسره من الصخره..
فاضطرب العباس وقال : والله إن هذه لرؤيا!ثم خشى أن تنتشر فيصيبه أذى..فقال لها محذرا:وأنت فاكتميها لا تذكريها لأحد..
ثم خرج العباس منشغل البال بأمر هذه الرؤيا..فلقى الوليد ابن عتبة وسط الطريق..وكان له صديقاً..فحدثه بالرؤيا..وقال له:اكتمها..فلا تخبر بها أحداً..
فمضى الوليد..فلقى ابنه عتبة فحدثة بها!!
ثم لم يمض سويعات..حتى حدث بها عتبة بعض أصحابه..ثم تناقلها الناس..وفشا الحديث بها فى أهل مكة..حتى تحدثت بها قريش فى مجالسها..
وفى الضحى ذهب العباس ليطوف بالكعبة..فإذا أبو جهل جالس فى رهط من قريش..فى ظل الكعبة..يتحدثون برؤيا عاتكة!!
فلما رأى أبو جهل العباس قال:يا أبا الفضل..إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا..
تحير العباس..ماذا يريد منه أبو جهل!..لكنه استبعد أن يسأله عن رؤيا عاتكة..فقضى العباس طوافه ثم توجه إلى مجلس أبى جهل..فلما أقبل إليهم العباس وجلس معهم..
قال له أبو جهل:يا بنى عبد المطلب..متى حدثت فيكم هذه النبية؟
قال:وما ذاك؟
قال:تلك الرؤيا التى رأت عاتكة..
ففزع العباس وقال:وما رأت؟
قال:يا بنى عبد المطلبززأما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟قد زعمت عاتكة فر رؤياها أنه قال:انفروا فى ثلاث..فسننتظر بكم ثلاثة أيام..فإن يك حقاً ما تقول..فسيكون..وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتاباًأنكم أكذب أهل بيت فى العرب..
فاضطرب العباس ..وما رد عليه شيئاً..وجحد الرؤيا..وأنكر أن تكون رأت شيئاً..
فلما كان اليوم الثالث من رؤيا عاتكة..ذهب العباس إلى المسجد..وهو مُغضب..
فلما دخل المسجد رأى أبا جهل..فمشى نحوه يتعرضه ليعود ما قال فيقع به..فإذا بأبى جهل يخرج من باب المسجد يشتد مسرعا..فعجب العباس من سرعته..!!فقد كان مستعداً لخصومة وعراك..
فقال العباس فى نفسة:ما له لعنه الله؟! أكل هذا الخوف منى أن أشاتمه؟!
وإذا أبو جهل قد سمع صوت ضمضم بن عمرو الغفارى الذى أرسله أبو سفيان ليستعين بأهل مكة..
وإذا ضمضم يصرخ فى الوادى واقفاً على بعيره..قد جدع أنف بعيره..والدم يسيل على وجه البعير..وقد شق ضمضم قميصه وهو يقول:
ياااااا معشر قريش..اللطيمة..اللطيمة..أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه..لا أرى أن تدركوها..
ثم صاح بأعلى صوته: الغوث..الغوث..
عندما تجهزت قريش وخرجت..وكان من أمرها فى معركة بدر ما كان من الهزيمة والذل..
فتأمل كيف انتشر السر فى لمحة عين..مع قوة الحرص وشدة الاستئمان..!!
تعليقات: 0
إرسال تعليق